الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله (باب) بالتنوين (الصلوات الخمس كفارة) كذا ثبت في أكثر الروايات، وهي أخص من الترجمة السابقة على التي قبلها. وسقطت الترجمة من بعض الروايات، وعليه مشى ابن بطال ومن تبعه، وزاد الكشميهني بعد قوله " كفارة للخطايا إذا صلاهن لوقتهن في الجماعة وغيرها". الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا الشرح: قوله (ابن أبي حازم والدراوردي) كل منهما يسمى عبد العزيز، وهما مدنيان، وكذا بقية رجال الإسناد. قوله (عن يزيد بن عبد الله) أي ابن أبي أسامة بن الهاد الليثي، وهو تابعي صغير، ولم أر هذا الحديث بهذا الإسناد إلا من طريقه. وأخرجه مسلم أيضا من طريق الليث بن سعد وبكر بن مضر كلاهما عنه. نعم روى من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، أخرجه البيهقي في الشعب من طريق محمد بن عبيد عنه، لكنه شاذ لأن أصحاب الأعمش إنما رووه عنه عن أبي سفيان عن جابر، وهو عند مسلم أيضا من هذا الوجه. قوله (عن محمد بن إبراهيم) هو التيمي راوي حديث الأعمال، وهو من التابعين أيضا، ففي الإسناد ثلاثة تابعيون على نسق، قوله (أرأيتم) هو استفهام تقرير متعلق بالاستخبار، أي أخبروني هل يبقى. قوله (لو أن نهرا) قال الطيبي: لفظ " لو " يقتضي أن يدخل على الفعل وأن يجاب، لكنه وضع الاستفهام موضعه تأكيدا وتقريرا، والتقدير لو ثبت نهر صفته كذا لما بقي كذا، والنهر بفتح الهاء وسكونها ما بين جنبي الوادي، سمي بذلك لسعته، وكذلك سمي النهار لسعة ضوئه. قوله (ما تقول) كذا في النسخ المعتمدة بإفراد المخاطب، والمعنى ما تقول يا أيها السامع؟ ولأبي نعيم في المستخرج على مسلم وكذا للإسماعيلي والجوزقي " ما تقولون " بصيغة الجمع، والإشارة في ذلك إلى الاغتسال، قال ابن مالك: فيه شاهد على إجراء فعل القول مجرى فعل الظن، وشرطه أن يكون مضارعا مسندا إلى المخاطب متصلا باستفهام. قوله (يبقى) بضم أوله على الفاعلية. قوله (من درنه) زاد مسلم " شيئا " والدرن الوسخ، وقد يطلق الدرن على الحب الصغار التي تحصل في بعض الأجساد، ويأتي البحث في ذلك. قوله (قالوا لا يبقى) بضم أوله أيضا، و (شيئا) منصوب على المفعولية. ولمسلم " لا يبقى " بفتح أوله و " شيء " بالرفع، والفاء في قوله " فذلك " جواب شيء محذوف، أي إذا تقرر ذلك عندكم فهو مثل الصلوات الخ. وفائدة التمثيل التأكيد، وجعل المعقول كالمحسوس. قال الطيبي: في هذا الحديث مبالغة في نفي الذنوب لأنهم لم يقتصروا في الجواب على " لا " أعادوا اللفظ تأكيدا. وقال ابن العربي: وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه ويطهره الماء الكثير فكذلك الصلوات تطهر العبد عن أقذار الذنوب حتى لا تبقى له ذنبا إلا أسقطته، انتهى. وظاهره أن المراد بالخطايا في الحديث ما هو أعم من الصغيرة والكبيرة، لكن قال ابن بطال: يؤخذ من الحديث أن المراد الصغائر خاصة، لأنه شبه الخطايا بالدرن والدرن صغير بالنسبة إلى ما هو أكبر منه من القروح والخراجات، انتهى. وهو مبني على أن المراد بالدرن في الحديث الحب، والظاهر أن المراد به الوسخ، لأنه هو الذي يناسبه الاغتسال والتنظف. وقد جاء من حديث أبي سعيد الخدري التصريح بذلك، وهو فيما أخرجه البرار والطبراني بإسناد لا بأس به من طريق عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أرأيت لو أن رجلا كان له معتمل، وبين منزله ومعتمله خمسة أنهار، فإذا انطلق إلى معتمله عمل ما شاء الله فأصابه وسخ أو عرق، فكلما مر بنهر اغتسل منه " الحديث. ولهذا قال القرطبي: ظاهر الحديث أن الصلوات الخمس تستقل بتكفير جميع الذنوب، وهو مشكل، لكن روى مسلم قبله حديث العلاء عن أبي هريرة مرفوعا " الصلوات الخمس كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر " فعلى هذا المقيد يحمل ما أطلق في غيره. (فائدة) : قال ابن بزيزة في " شرح الأحكام ": يتوجه على حديث العلاء إشكال يصعب التخلص منه، وذلك أن الصغائر بنص القرآن مكفرة باجتناب الكبائر، وإذا كان كذلك فما الذي تكفره الصلوات الخمس؟ انتهى. وقد أجاب عنه شيخنا الإمام البلقيني بأن السؤال غير وارد، لأن مراد الله (أن تجتنبوا) أي في جميع العمر، ومعناه الموافاة على هذه الحالة من وقت الإيمان أو التكليف إلى الموت، والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها - أي في يومها - إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم، فعلى هذا لا تعارض بين الآية والحديث، انتهى. وعلى تقدير ورود السؤال فالتخلص منه بحمد الله سهل، وذلك أنه لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس، فمن لم يفعلها لم يعد مجتنبا للكبائر، لأن تركها من الكبائر فوقف التكفير على فعلها، والله أعلم. وقد فصل شيخنا الإمام البلقيني أحوال الإنسان بالنسبة إلى ما يصدر منه من صغيرة وكبيرة، فقال: تنحصر في خمسة، أحدها: أن لا يصدر منه شيء البتة، فهذا يعاوض برفع الدرجات. ثانيها: يأتي بصغائر بلا إصرار، فهذا تكفر عنه جزما. ثالثها: مثله لكن مع الإصرار فلا تكفر إذا قلنا إن الإصرار على الصغائر كبيرة. رابعها: أن يأتي بكبيرة واحدة وصغائر. خامسها: أن يأتي بكبائر وصغائر، وهذا فيه نظر يحتمل إذا لم يجتنب الكبائر أن لا تكفر الكبائر بل تكفر الصغائر، ويحتمل أن لا تكفر شيئا أصلا، والثاني أرجح لأن مفهوم المخالفة إذا لم تتعين جهته لا يعمل به، فهنا لا تكفر شيئا إما لاختلاط الكبائر والصغائر أو لتمحض الكبائر أو تكفر الصغائر فلم تتعين جهة مفهوم المخالفة لدورانه بين الفصلين فلا يعمل به، ويؤيده أن مقتضى تجنب الكبائر أن هناك كبائر، ومقتضى " ما اجتنبت الكبائر " أن لا كبائر فيصان الحديث عنه. (تنبيه) : لم أر في شيء من طرقه عند أحد من الأئمة الستة وأحمد بلفظ " ما تقول " إلا عند البخاري وليس هو عند أبي داود أصلا وهو عند ابن ماجه من حديث عثمان لا من حديث أبي هريرة، ولفظ مسلم " أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل كان يبقى من درنه شيء " وعلى لفظه اقتصر عبد الحق في الجمع بين الصحيحين وكذا الحميدي، ووقع في كلام بعض المتأخرين بعد أن ساقه بلفظ " ما تقولون " أنه في الصحيحين والسنن الأربعة، وكأنه أراد أصل الحديث، لكن يرد عليه أنه ليس عند أبي داود أصلا ولا ابن ماجه من حديث أبي هريرة. ووقع في بعض النسخ المتأخرة من البخاري بالياء التحتانية آخر الحروف " من يقول " فزعم بعض أهل العصر أنه غلط وأنه لا يصح من حيث المعنى، واعتمد على ما ذكره ابن مالك مما قدمته وأخطأ في ذلك، بل له وجه وجيه، والتقدير ما يقول أحدكم في ذلك. والشرط الذي ذكره ابن مالك وغيره من النحاة إنما هو لإجراء فعل القول مجرى فعل الظن كما تقدم، وأما إذا ترك القول على حقيقته فلا، وهذا ظاهر، وإنما نبهت عليه لئلا يغتر به. *3* الشرح: قوله (باب في تضييع الصلاة عن وقتها) ثبتت هذه الترجمة في رواية الحموي والكشميهني وسقطت للباقين. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ عَنْ غَيْلَانَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ الصَّلَاةُ قَالَ أَلَيْسَ ضَيَّعْتُمْ مَا ضَيَّعْتُمْ فِيهَا الشرح: قوله (مهدي) هو ابن ميمون، وغيلان هو ابن جرير، والإسناد كله بصريون. قوله (قيل الصلاة) أي قيل له الصلاة هي شيء مما كان على عهده صلى الله عليه وسلم وهي باقية فكيف يصح هذا السلب العام؟ فأجاب بأنهم غيروها أيضا بأن أخرجوها عن الوقت، وهذا الذي قال لأنس ذلل يقال له أبو رافع، بينه أحمد بن حنبل في روايته لهذا الحديث عن روح عن عثمان بن سعد عن أنس فذكر نحوه، " فقال أبو رافع: يا أبا حمزة ولا الصلاة؟ فقال له أنس: قد علمتم ما صنع الحجاج في الصلاة". قوله (ضيعتم) بالمهملتين والنون للأكثر، وللكشميهني بالمعجمة وتشديد الياء، وهو أوضح في مطابقة الترجمة، ويؤيد الأول ما ذكرته آنفا من رواية عثمان سعد وما رواه الترمذي من طريق أبي عمران الجوني عن أنس فذكر نحو هذا الحديث وقال في آخره " أو لم يضيعوا في الصلاة ما قد علمتم "؟ وروى ابن سعد في الطبقات سبب قول أنس هذا القول، فأخرج في ترجمة أنس من طريق عبد الرحمن بن العريان الحارثي سمعت ثابتا البناني قال: كنا مع أنس بن مالك، فأخر الحجاج الصلاة، فقام أنس يريد أن يكلمه، فنهاه إخوانه شفقة عليه منه، فخرج فركب دابته فقال في مسيره ذلك " والله ما أعرف شيئا مما كنا عليه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا شهادة أن لا إله إلا الله " فقال رجل: فالصلاة يا أبا حمزة؟ قال " قد جعلتم الظهر عند المغرب، أفتلك كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " وأخرجه ابن أبي عمر في مسنده من طريق حماد عن ثابت مختصرا. الحديث: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ وَاصِلٍ أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ أَخِي عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ مَا يُبْكِيكَ فَقَالَ لَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ قَدْ ضُيِّعَتْ وَقَالَ بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ نَحْوَهُ الشرح: قوله (عن عثمان بن أبي رواد) هو خراساني سكن البصرة واسم أبيه ميمون. قوله (أخو عبد العزيز) أي هو أخو عبد العزيز، وللكشميهني أخي عبد العزيز وهو بدل من قوله عثمان. قوله (بدمشق) كان قدوم أنس دمشق في إمارة الحجاج على العراق، قدمها شاكيا من الحجاج للخليفة، وهو إذ ذاك الوليد بن عبد الملك. قوله (مما أدركت) أي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله (إلا هذه الصلاة) بالنصب، والمراد أنه لا يعرف شيئا موجودا من الطاعات معمولا به على وجهه غير الصلاة. قوله (وهذه الصلاة قد ضيعت) قال المهلب: والمراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحب لا أنهم أخرجوها عن الوقت، كذا قال، وتبعه جماعة، وهو مع عدم مطابقته للترجمة مخالف للواقع، فقد صح أن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها، والآثار في ذلك مشهورة، منها ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: أخر الوليد الجمعة حتى أمسى " فجئت فصليت الظهر قبل أن أجلس ثم صليت العصر وأنا جالس إيماء وهو يخطب. وإنما فعل ذلك عطاء خوفا على نفسه من القتل. ومنها ما رواه أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة من طريق أبي بكر عتبة قال: صليت إلى جنب أبي جحيفة فمسى الحجاج بالصلاة، فقام أبو جحيفة فصلى. ومن طريق ابن عمر أنه كان يصلي مع الحجاج، فلما أخر الصلاة ترك أن يشهدها معه. ومن طريق محمد بن أبي إسماعيل قال: كنت بمنى وصحف تقرأ للوليد فأخروا الصلاة، فنظرت إلى سعيد بن جبير وعطاء يومئان إيماء وهما قاعدان. قوله (وقال بكر بن خلف) هو البصري نزيل مكة، وليس له في الجامع إلا هذا الموضع. وقد وصله الإسماعيلي قال: أخبرنا محمود بن محمد الواسطي قال أخبرنا أبو بشر بكر بن خلف. قوله (نحوه) سياقه عند الإسماعيلي موافق للذي قبله، إلا أنه زاد فيه " وهو وحده " وقال فيه " لا أعرف شيئا مما كنا عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " والباقي سواء. (تنبيه) : إطلاق أنس محمول على ما شاهده من أمراء الشام والبصرة خاصة، وإلا فسيأتي في هذا الكتاب أنه قدم المدينة فقال " ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف " والسبب فيه أنه قدم المدينة وعمر عبد العزيز أميرها حينئذ، وكان على طريقة هل بيته حتى أخبره عروة عن بشير بن أبي مسعود عن أبيه بالنص على الأوقات، فكان يحافظ بعد ذلك على عدم إخراج الصلاة عن وقتها كما تقدم بيانه في أوائل الصلاة. ومع ذلك فكان يراعى الأمر معهم فيؤخر الظهر إلى آخر وقتها. وقد أنكر ذلك أنس أيضا كما في حديث أبي أمامة بن سهل عنه. *3* الشرح: قوله (باب المصلي يناجي ربه) تقدم الكلام على حديث هذا الباب في أبواب المساجد، ومناسبة هذه الترجمة لما قبلها من جهة أن الأحاديث السابقة دلت على مدح من أوقع الصلاة في وقتها وذم من أخرجها عن وقتها، ومناجاة الرب جل جلاله أرفع درجات العبد، فأشار المصنف بإيراد ذلك إلى الترغيب في المحافظة على الفرائض في أوقاتها لتحصيل هذه المنزلة السنية التي يخشى فواتها على من قصر في ذلك. الحديث: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَتْفِلَنَّ عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ لَا يَتْفِلُ قُدَّامَهُ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَقَالَ شُعْبَةُ لَا يَبْزُقُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ وَقَالَ حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَبْزُقْ فِي الْقِبْلَةِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الشرح: قوله (حدثنا هشام) هو ابن أبي عبد الله الدستوائي. قوله (وقال سعيد) أي ابن أبي عروبة (عن قتادة) أي بالإسناد المذكور، وطريقه موصولة عند الإمام أحمد وابن حبان. وقوله فيها " قدامه أو بين يديه " شك من الراوي. قوله (وقال شعبة) أي عن قتادة بالإسناد أيضا، وطريقه موصولة عند المصنف فيما تقدم عن آدم عنه، وتقدم أيضا في " باب حك المخاط من المسجد " عن حفص بن عمر عن شعبة، وأراد بهذين التعليقين بيان اختلاف ألفاظ أصحاب قتادة عنه في رواية هذا الحديث، ورواية شعبة أتم الروايات، لكن ليس فيها المناجاة. وقال الكرماني: ليس هذا التعليق موقوفا على قتادة ولا على شعبة، يعني بل هي مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: ويحتمل الدخول تحت الإسناد السابق بأن يكون معناه مثلا: حدثنا مسلم حدثنا هشام، وحدثنا مسلم قال: قال سعيد، وحدثنا مسلم قال: قال شعبة. انتهى. وهو احتمال ضعيف بالنسبة لشعبة، فإن مسلم بن إبراهيم سمع منه، وباطل بالنسبة لسعيد فإنه لا رواية له عنه، والذي ذكرته هو المعتمد. وكذا طريق حميد وصلها المؤلف في أول أبواب المساجد من طريق إسماعيل بن جعفر عنه، لكن ليس فيها قوله " ولا عن يمينه". الحديث: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلَا يَبْسُطْ ذِرَاعَيْهِ كَالْكَلْبِ وَإِذَا بَزَقَ فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ الشرح: قوله (اعتدلوا في السجود) يأتي الكلام عليه في أبواب صفة الصلاة. قوله (فإنما يناجي) في رواية الكشميهني " فإنه يناجي ربه". قال الكرماني ما حاصله: تقدم أن علة النهي عن البزاق عن اليمين بأن عن يمينه ملكا، وهنا علل بالمناجاة، ولا تنافي بينهما، لأن الحكم الواحد يجوز أن يكون له علتان سواء كانتا مجتمعتين أو منفردتين والمناجي تارة يكون قدام من يناجيه وهو الأكثر وتارة يكون عن يمينه.
|